السّؤالُ البديهي والذي أسمعُه كثيرًا هو: (لماذا اخترتَ أن تكون طبيبًا شرعيًّا؟)، ولكنّ السّؤالَ الجدير بالإجابة هو: (لماذا ينبغي ألّا تكون طبيبًا شرعيًّا؟)
والإجابةُ لأنّك لن تعودَ الشّخص الذي كنتَ عليه من قبْل وستعيشُ ما بقي حياتك عالقًا بينَ عالم الأحياء والأموات.
لأنّك ستتغيّر نظرتُك للأمورِ بصورةٍ ستُزعجك كثيرًا.
ولأنّك رأيتَ أكثرَ ممّا ينبغي، وفكّرت أعمقَ ممّا يستحق،
ولأنّك أيقنتَ أنّ الموازينَ تنقلب في لحظة
لأنّك ستعلمُ أنّ الأشياء السّيئة تحدثُ كثيرًا للأشخاص الجيّدين، وأنّ الأشخاصَ السّيئين ربّما ينجون بأفعالهم السّيئة في الدنيا على الأقلّ
لأنّك ستفقدُ الثّقة في معظمِ ما يُحيط بك من أمورٍ تسمعها وتراها, وستفقدُ الثّقة في كثيرٍ من الأشخاص معَ أنّهم ليسوا سيّئين.
لا ينبغي أنْ تكون طبيبًا شرعيًّا لأنّك ستكون صديقًا وفيًّا ومخلصًا للموتى فقط... بل سيصلُ بك الأمرُ أن تتقمّص شخصياتهم وتتخيّل كيفَ كانت لحظاتُهم الأخيرة, وسوف تضع نفسك مكانهم.
لا تصبحْ طبيبًا شرعيًّا لأنّ كلّ جثة عاينتَها ستطاردُك ذكراها حتّى تقتصّ لها... وكلّ ضحيةٍ رأيتَها سترى نفسَك فيها حتى لو أنصفتها... وكلّ جانٍ عرفتَه ستظنّ أنّك قد تصبحُ هدفًا له, ولأمثاله حتّى لو أدنته.
لا تصبحْ طبيبًا شرعيًّا ولوْ منحوكَ الذّهبَ... فلا شيء سيُعيد لك براءةَ القلبِ وصفوَ الروح إنْ ذهبَا !