أصبح أدبنا العربي ( والشعر في الصدارة منه) في خطرٍ داهمٍ حقيقةً لا ادعاءً، و بات من المؤكد أنَّ هناك هُوَّةً سحيقة تفصل بين الماضي والحاضر،
والنظرية والتطبيق، والإبداع والجمهور، وأن هذه الهوة قد استحكمت بفعل مشكلات النقد المتفاقمة، وأنَّه قد آن الأوان لكي يَشْجُعَ النقد؛
ليتدارك أمره؛ فيُقْدِمَ على تضييق هذه الهوة، وهو ما حملنا على وَسْمِ أُطروحة كتابنا هذا بـــ: "جَسْرُ الهُوَّةِ"؛ إذْ ثمة فجوة نتغيا سدَّها؛
وِفْقَ دلالة المصطلح بشكلٍ نسبيٍّ من خلال ممارسةٍ نقديةٍ ذات هوية وقصد مخصوصين.
في هذا الصدد، يتجلى"النَّقْدُ البَصِيْرُ" الذي ندعو إليه، أحدَ الحلولِ النسبية التي نقترحها لتفكيك الأزمة، ونحدده بأنَّه: "ضربٌ من النقد الأدبي؛
يتغيا تناول النصوص الأدبية في هيئةِ مقاربةٍ وسيطةٍ، وكثيفةٍ، تنفذ إلى مقاصد الأعمال الأدبية فكراً، وجمالاً بخبرتها الحدسية، والتحليلية،
وتُقَرِّبُها إلى جمهور المتلقين؛ حتى تُحدث أثرَها فيهم؛ فهماً لذواتهم، ولواقعِهم؛ وارتقاءً بهم إلى مُثُلِها وقِيَمِها العليا؛ بعيداً عن رطانة اللغة،
ونخبوية الرؤى، وتعقيد الأطاريح والنظريات النقدية." إن النقد البصير في سَمْتِه الــ "ما بعد منهجي"،
يمثِّل حقلاً خصباً في مضمار الدراسات النقدية رؤًى ومناهج، كما يُفسح المجالَ أمام الذات الناقدة ببصيرتها لتجريبٍ حثيثٍ في الاقتراح،
والاجتراح؛ حتى تكون هي هي لا هي شكلاً، وغيرها جوهراً؛ وبه، فهذا النزوع إلى حضور الذات العربية، بهويتها المائزة، في معترك النقد العالمي،
يُمَثِّلُ إسهاماً ذا أصالةٍ حقيقيةٍ؛ حيث يصون الهوية المنمازة من أغيارها، ويحفظ لها روحها، ويبدد رويداً ... رويداً صنمية المركزية النقدية الغربية؛ مجترئاً على هيمنتها الباذخة.